بسم الله الرحمن الرحيم
أشهد أن لا إله إلى الله وأشهد أن محمدا رسول الله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ..
هذا الدعاء قاله أبو حسن بعد أن توضأ وتهيأ للصلاة , أخذ طريقه إلى المسجد ورفيقه التهليل والتكبير كعادته , يسلم على كل من يراه والبشاشة لا تفارق محياه , دخل إلى المسجد وقام بين يدي الله يناجيه , وما إن انتهى من أوراده عقب الصلاة حتى قام إلى بيته .
بحث عن حذائه في المكان المعتاد ولم يجده ! حذائي ! أين ذهب ؟ هل سُرِق ؟ إنا لله وإنا إليه راجعون, لقد هرم معي هذا الحذاء وشاخ ونخرته المسامير فماذا يريدون منه.
رآه أبو فتان النمام وهو يمشي بلا نعال فاستوقفه وسأله أين نعالك يا أبا حسن ؟ فقال : سرقت عند المسجد , حاول أن يسليه ببعض الكلمات وذهب وهو يتمم .
و ما إن قذفَ بنفسه أبو حسن على سريره الخشبي حتى طرق أذنه صوت الهاتف :
من ؟
الأستاذ أبوحسن ؟
نعم من أنت ؟
نحن قناة ( المرة ) الفضائية وقد وردت إلينا أنباء بأن حذائك قد سرق عند المسجد فهل هذا صحيح وما هي ملابسات الحادث , وهل اتهمتم أحد ؟
ذهل أبو حسن , أي قناة وأي ملابسات ماذا تقول أنت.
يبدو أن الأستاذ أبو حسن في حالة ذهول لما حصل .
أستاذ أبو حسن نعاود الاتصال معك فيما بعد شكراً.
قام ابو حسن يغسل وجهه مرات كثيرة بالماء فربما كان حلما مزعجاً !
قذف نفسه مرة أخرى على السرير فإذا بصوت جلبة وصراخ قادم , طُرقَ الباب بقوة , قام أبو حسن , من بالباب ؟أباحسن .. أباحسن .. افتح الباب هناك ضيوف أتوك من خارج القرية , ضيوف ! فتح الباب فإذا بخمسة رجال بلباس أعجمي ومعهم شاب عربي لم يعرفه وليس من أهل القرية .
هل أنت الأستاذ أبو حسن ؟
نعم ؟
ولكن ما الأمر ومن هؤلاء ؟
هؤلاء جمعية حقوق الأحذية العالمية وأنا المترجم الخاص بهم , وقد وصلهم نبأ حذائك الذي سرق .
وهم مستعدون لتقديم كل المساعدات المالية والإعلامية لتفعيل القضية على المستوى العالمي.
في هذه اللحظات وأبو حسن غارقٌ في الذهول والدهشة , أصوات كثيرة عند بيته وأناس يتحدثون , قام أبو حسن بعد أن طُرِِق الباب من ؟ نحن صحيفة التملق , التملق ! نحن صحيفة الإثارة , نحن قناة ( المُرة ) المرة ! إذن لم يكن ذلك الاتصال حلم , فتح الباب فإذا بآلات التصوير تحسر الأعين وسيل عارم من الأسئلة تنهمر عليه من أشخاص كثر .
كيف حدثت السرقة .. عباس لباس صحيفة التملق.
هل أعلنت أي المنظمات مسئوليتها عن الحادث .. زيات أحمد فاضي .. صحيفة الإثارة .
هل هناك نية للتدخل العسكري في المنطقة ؟ .. مسمار جحا .. قناة المرة .
أبو حسن رجل بخيل ! يُقال أن المسامير التي كانت في نعله المسروق قطعتان من أغلى الألماس ! لا .. لا ... يُقال ! أن المسامير هي مفاتيح لكنز كان يخبأه منذ زمن بعيد .
هكذا تحدث الناس السذج في قرية أبوحسن .
بعد يوم عجيب مر بأبي حسن وصورة النعلين لم تفارقه وجيوش من الأسئلة تنهال عليه , هل أنا في حلم ؟ أم جننت ؟ أم حذائي فيه سر !
رجل يطرق الباب بلطف , خاف أبو حسن ... لن أفتح الباب أبداً .
أبو حسن أنا جارك فرج افتح الباب , هرع إلى زميل حياته وجاره فرج , هدئ من روعك يا رجل ولن يحصل إلى كل خير والأزمة ستنهي وغداً اجتماع مجلس الآمن للنظر في القضية , مجلس الأمن !!
أتيت بجهاز المذياع , لعلنا نستمع إليه قليلاً , فتح فرج إذاعة الصين بالخطأ .. ( بنق شنق دونق أبو هسن ) , أبوهسن !!,حرك المؤشر على إذاعة البربر سي ( تشوز أبو هسن ) ..!!
ثم فرسنا ( بي كي دولا بندور أبو هسن ) ثم أسبانيا ( بيكادو دوكادا نيآلا أبو هسن ) .
وبعد مُضي أسبوع كامل , وقد غارت عينا أبوحسن من الهم وقلة النوم والحيرة وعلامات التعجب تحاصره في كل مكان وقد أخذت منه الظنون كل مأخذ , والظنون تتقاذفه والحيرة تغتال كل ما بقي منه .
في لجة التفكير إذْ به يسمع منادٍ يصيح في القرية ( يا أهل القرية غداً يأتي الزعيم الكبير زعيم أكبر دولةٍ في العالم ليلقى البيان النهائي في شأن حذاء أبوحسن ) .
أخذ يجر قدمه التي بالكاد تطيعه ورفع رأسه ليطل على القرية من النافذة , فإذا برجال كثر وكأنهم يصنعون منبراً خشبياً بجانب المسجد , سألهم بلهجة البائس : ماذا تفعلون ؟ ألا تعلم ؟ لا , غدا يأتي الزعيم الكبير ومعه قوات حفظ السلام العالمية ويتلو الخطاب النهائي , وهذا الذي تراه منبر له , ولكن .. أبوحسن , نعم , انتبه !! أخشى أن تسقط من النافذة , لا يهم !!
في اليوم التالي وقد اجتمع الناس من كل أقطار العالم والمحطات الفضائية والإذاعات والصحافة , كان أبوحسن في نافذته بعد أن رفض الخروج وآثر أن يرقب الموقف منها .
وصلت القوات الخاصة بحفظ السلام ووصل الرئيس , قام على منبره وأخذ يتلو الخطاب والأنظار كلها تنظر إليه , وأبوحسن ينظر إليهم والناس أمامه لا يرى سوى ظهورهم , وقد شحب وجهه .
أخذ الرئيس يتلو الخطاب إلى أن قال :
( وبعد البحث والتحري وانطلاقا من أهدافنا السامية والتي نسعى من خلالها إلى تحرير العالم وإشاعة السلام بين أطياف الناس وفي إطار حملتنا التي نحارب فيها الإرهابيين الذين يزعزعون الأمن في كل مكان , قررنا _ تصفيق من الجمهور _ وأبوحسن يرقب الموقف _ قررنا ...... قررنا هدم المسجد الذي حصلت فيه الجريمة ) .
صفق الناس بكل حرارة فما إن سكتوا حتى سمعوا صوت وجيب وسقوط قوي من خلفهم .
الميمان النجدي
9/7/1425
الروابط المفضلة