وفي أواخر الثلاثينيات، قام العالمان الإنجليزيان إرنست شين (Ernst Chain)، وهوارد فلوري (Howard Flory)، بتنمية فطر من نوع البنيسيليوم (Penicillium chrysogenum) في صورته النقية .
ثم استخلصا كميات صغيرة من مادة البنسيلين. وكان أول من شُفي باستخدام البنسيلين هو رجل شرطة إنجليزي، كان مصاباً بحمى بكتيرية.
وفي عام 1944، أجرى العالم الأمريكي سلمان واكسمان (Selman Waksman)، عدداً من التحاليل على 10.000 عينة، أخذت من التربة، تم خلالها عزل عديد من البكتيريا والفطريات. ولاحظ واكمان ومساعدوه أن أحد هذه الفطريات، هو فطر الإستربتوميسيس، يفرز مادة قاتلة للبكتيريا، أطلق "الإستربتوميسين" (Streptomycin)، وقد كان لاكتشاف هذه المادة ضجة كبيرة، في ذلك الوقت، نظراً إلى قدرتها على قتل بكتيريا السل، فاستخدم في علاج الدرن الرئوي.
ثم توالى اكتشاف المضادات الحيوية، بعد ذلك، حتى صار عددها الآن 70 مضاداً حيوياً مستخدماً في علاج أمراض الإنسان، فضلاً عن تمكن العلماء من تخليق عدد كبير من المضادات الحيوية كيميائياً.
ويروق للبعض أن يصف المضادات الحيوية بأنها "معجزة العقاقير". وذلك بسبب استخدامها، في علاج الأمراض البكتيرية، التي عانت منها البشرية طويلاً، مثل: السل، والتهاب الأغشية السحائية، والزهري، والعدوى بالبكتيريا السبحية، والعنقودية. كما تم اكتشاف مضادات حيوية أخرى، تستخدم حالياً في علاج الدوسنتاريا الأميبية، والأمراض الفطرية.
وتقتل المضادات الحيوية، البكتيريا الضارة بالإنسان، عن طريق عملية كيميائية، يمنع فيها المضاد الحيوي، هذه البكتيريا من بناء جدارها الواقي. في الوقت الذي لا يؤثر فيه المضاد الحيوي على خلايا الإنسان، نظراً إلى اختلاف تركيب جدر هذه الخلايا كيميائياً عن مثيلتها في خلايا البكتيريا والفطريات، أو تحول دون تكاثرها أو تخليق البروتين اللازم لها، وإنتاج الطاقة.
وبعض المضادات الحيوية تقتل البكتيريا، عن طريق إيقاف بعض أنشطتها الحيوية، مثل: بناء إنزيم هام، أو جزء معين، من أجزاء الخلية. ولحسن الحظ أيضاً فإن المضادات الحيوية، لا تؤثر على أنشطة خلايا الإنسان.
إلا أنه ظهرت أنواع من المضادات الحيوية، تستطيع أن تتدخل في انقسام خلايا البشر، عن طريق منعها لانقسام المادة الوراثية د ن أ (DNA). وقد استغل الأطباء هذه الخاصية الفريدة، فصارت بعض المضادات الحيوية العلاج الأمثل، لبعض سرطانات الدم.
وتعتبر المضادات الحيوية من أكثر العقاقير أماناً، إذا استخدمت طبقاً للإرشادات الدوائية المرافقة لها. إلا أنه، للأسف، توجد بعض الآثار الجانبية، للاستخدام المتكرر، للمضادات الحيوية.
وتعتبر حساسية بعض المرضى للمضادات الحيوية، من أخطر الآثار الجانبية المحتمل حدوثها. وتتراوح أعراض الحساسية من طفح جلدي خفيف، إلى ارتفاع في درجة الحرارة. إلا أنه، في بعض الحالات، قد تؤدي الحساسية، إلى إيقاف التنفس، ثم الوفاة المفاجئة، عقب تناول المضاد الحيوي.
ويعد البنسيلين من أكثر المضادات الحيوية المعروفة بإحداثها حساسية قاتلة، قدرت بحوالي 10 % من المرض الذين يتعاطونه، لأول مرة.
ولا تستطيع المضادات الحيوية التمييز بين البكتيريا الضارة أو النافعة، فهي تقتل كليهما بنفس الكيفية. ولذا فإنه من الواجب تعاطي الفيتامينات، عند تناول المضادات الحيوية بطريق الفم، إذ أنها تقتل بكتيريا الأمعاء النافعة، التي تمد الإنسان باحتياجاته من بعض الفيتامينات، مثل مجموعة فيتامين (B) .
وقد يسبب تناول المضادات الحيوية أضراراً جسيمة، فمثلاً: يسبب الستربتوميسين فشلاً كلوياً لدى بعض المرضى، كذا يسبب صمماً دائماً مع مرضى آخرين.
والاستعمال الصحيح للمضادات الحيوية لا يتأتى إلا عن طريق إجراء اختبارات حساسية للميكروب المسبب للمرض، لمعرفة أكثر المضادات فعالية، ضده. ولإجراء هذا الاختبار، تعزل البكتيريا من جسد المريض على منابت خاصة، ثم تضاف على هذه المنابت أقراصاً صغيرة، كل قرص مشبع بمحلول أحد المضادات الحيوية، فتنمو البكتيريا في جميع أنحاء المنبت، إلا بجوار الأقراص المشبعة بالمضادات الحيوية .
وعليه يستخدم المضاد الحيوي الذي سبب أكبر تثبيط لنمو البكتيريا، في علاج المريض. وهذه الوسيلة هي الطريقة العلاجية السليمة الوحيدة، وأن ما عداها يمكن أن يؤدي إلى تناول عشوائي للمضاد الحيوي، بحيث لا يؤدي إلى الأثر المطلوب.
وتعد مناعة الميكروبات المختلفة ضد المضادات الحيوية من الظواهر الشائعة. وتنشأ عندما يفرز الميكروب إنزيمات تحطم المادة الفعالة، في المضاد الحيوي، أو يغير من قدرة المضاد الحيوي على النفاذ داخله. وبعض الميكروبات لها قدرة على ضخ أهداف تبادلية، لتضليل المضاد الحيوي، وبعضها الآخر يتحور، ليغير طريقة تمثيلها للدواء بداخلها، لتفادي فاعليته وتأثيره القاتل عليها. وقد تضع بعض الميكروبات إنزيمات بديلة، ليتفاعل معها المضاد الحيوي، بعيداً عن إنزيمات الميكروب نفسه.
وقد تنتقل مناعة الميكروبات، ضد مضاد حيوي بذاته، إلى مضاد حيوي آخر يتشابه معه في الأساس الكيميائي، أو يتشابه معه في طريقه التعامل مع إنزيمات الميكروب نفسه.
وتختلف طريقة تحضير المضادات الحيوية اختلافاً بيناً ، فهناك مضادات حيوية حديثة، تحضر من العفن الذي ينمو على الخبز أو الجبن.
وبعضها الآخر يخلق، بإجراء عمليات إحلال في السلسلة الجانبية في الجزيء، لجعلها ملائمة لتناولها عن طريق الفم، بدلاً من الحقن في العضل أو الوريد بطريقة آمنة، أو لجعلها أطول مفعولاً. كما أمكن تخليق بعض المضادات الحيوية تخليقاً صناعياً كاملاً، فأمكن توفيرها وتخفيض سعرها.
وتعطى المضادات الحيوية على هيئة شراب، أو كبسولات، أو أقراص، أو أقماع شرجية (لبوس)، أو حقن في العضل أو الوريد، أو تدهن كمراهم، أو كريمات، أو تعطى كنقط في الأذن، أو قطرة للعين، أو مس للفم.
وتؤخذ المضادات الحيوية، بصفة عامة عند خلو المعدة، لتسهيل، وإسراع امتصاصها. ويستثنى من هذا الكلورمفينكول، الذي يتناوله المريض بعد الأكل، وعلى الرغم من أن التتراسيكلين والأرثرسلين يكون مفعولهما دائماً أفضل إذا تعاطاهما المريض قبل الأكل، إلا أنهما يُعْطيان بعد الأكل لأنهما يسببان تهيجاً لأغشية المعدة.
الروابط المفضلة