::
::
¸.•´♥ رواية غريب الدار ¸.•´♥ الحلقة الأولى ¸.•´♥أدخلوها بسلام ¸.•´♥
::
وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ
إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ
وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ
وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ
::
إنها فرحة محمود..هو رجل وسيم، أسمر، طويل، عيناه واسعتان، وفي الأربعينيات من عمره .. يجلس على الأريكة وبجانبه عروسه " سمية ", رائعة الجمال, شعرها أشقر, عيناها خضراء، ناعمة رقيقة، جميلة أنيقة, تجلس كأميرة، هي أصغر من محمود بثلاث سنين.
لكنها لم تكن فرحة الطفلين جمال و معتز،فـ"جمال" ابن العروس سمية، في الثالثة عشر من عمره، له وجه مائلٌ للاستطالة أشقر وعيناه زرقاوان، ويرتدي نظارة دائرية، ضعيف البنية من يراه يحسبه في العاشرة لصغر حجمه، يجلس منكمشا حزيناً، ويختلس النظر ليرى أمه العروس الجميلة حيناً وينظر إلى الرجل الجالس بجوارها، الذي يمسك يدها اليمنى ويلف يده الأخرى حول كتفها، فيطأطئ جمال رأسه.. يشعر بالغيظ من هذا الرجل الغريب الذي قد أخذ أمه, كيف له أن يصبر على رؤيتها بين يديه؟ هو يغضب حيناً و يلومها حيناً أخرى، يحسب حساب متاهة المجهول التي قد دخل فيها مع هذا الرجل الذي سيكفله ويحتويه،بل ربما سيحتويه، وربما سيتخلى عنه، فإذا كان الأب قد تخلى فكيف بزوج أمه.
بجانب جمال "معتز" ابن محمود. معتز قوي البنية واثق من نفسه معتد بشخصيته مرح و لكنه يلقى الكلمات كصاعقة ، لا يلقي لها بالاً,أتجرح أم تُفرح، من يراه يظنه أكبر من جمال لكنه أصغر بسنه يتهيأ للمعركة ويفكر: لا بد أن أربح المعركة التي بيني و بين هذه المرأة و ابنها..لن أسمح لهما بسرقة قلب أبي .. سيعرف أبي أن أمي رحمها الله هي الأفضل، وأن أختي رحمها الله لا تُنسى.
فظل صامتاً يحيك المعارك في عقله ويفكر كيف سيربحها ... ثم بدأ المعركة وسأل: أتعلمين؟
ابتسمت سمية وقالت: نعم؟
معتز : إن هيأتك أنت وابنك مثل الذي خرج من مجاعة ؟
محمود(حازماَ): معتز...
سمية ابتسمت إبتسامه مغتصبة ولم تعلّق...أما جمال فاكتفى بأن يدير وجهه ولا ينظر إلى معتز..الذي آثر الصمت يتهيأ لمعركة جديدة.
نظر محمود إلى جمال وقال في ابتسام: هل أعجبك منزلك الجديد؟ وهل أعجبتك غرفتك ؟
أمسك طرف نظارته ليعدّل وضعيتها بتوتر وقال باستكانة وخضوع: نعم يا عم .
معتز يفكر: يتمسكن...حتى يتمكن..
محمود: قم ورتب ملابسك... هيا يا ولدي اذهب الآن .
نظر إلى أمه نظرة وداع وانصرف ببطء، وبخطوات متثاقلة كأنها خطوات عجوز في التسعين
محمود: ما رأيك يا معتز أن تساعد جمال ليكتشف غرفته الجديدة، تساعده في ترتيب أغراضه؟
معتز بعناد: لا ..أنا لا أعرف كيف أرتب الملابس، كانت أمي رحمها الله من ترتب..
محمود :رحمها الله ..ما رأيك أن تتعلم منه؟
معتز على مضض:طيب.. هناك أمر أهم أريد أن أعلمه و أتأكد منه أولا.
محمود : هو ؟
معتز: هل هذه المرأة شقراء حقاً أم تصبغ شعرها ؟
سمية(ابتسمت ابتسامة صفراء) : هو كذلك .
معتز بسخرية: هممممممم تشبهين ماري أنطوانيت.
محمود متجاهلا تعليق معتز: اذهب وأخبر جمال عن مكان الألعاب التي أحضرتها لكما.
أراد أن يتكلم فقال الأب : ثرثار ...هيا إلى الغرفة .
مشى خطوتين ورجع : ولكن أين الألعاب ؟
محمود وقد ضاق صدره: أنت تعرف مكانهم، اذهب وألعب مع جمال.
مشى قليلا ثم رجع يهز كتفيه و يقول: المكان هنا أوسع .
نظر إليه بحزم فمشى إلى الغرفة، وتلصص من ثقب الباب،ليرى تلك المرأة التي تمشي بكبرياء بالقرب من أبيه, أما جمال فتجاهل تصرفه
غرفة معتز وجمال بسيطة أنيقة، سريرين، مكتبين,خزانتين, وصندوقين صغيرين فيهما درجين، ومرآة وفي صدر الغرفة نافذة ذات ستائر جميلة، كان جمال يرتب ملابسه ببطء وإتقان وبصمت، لكن الصمت لم يدم مع دخول معتز الذي رمى جسده على سريره وسأل : من أين أنت ؟
بهدوء ..ترك ترتيب الثياب، ونظر من خلال النافذة، ثم سرح وقال: أصولنا من الجزيرة العربية ..لكن جدة أبي شامية وجده من أبيه مغربيا، ولد أبي في مصر وولدت أمي في بلاط الشهداء ،وتربت قرب قصر الحمراء.. التقى أبي بأمي في الأندلس .. ولدت هناك،ثم ضاعوا و أضاعوني وأضاعوا الأندلس.
معتز: أوف !كل هذا ...أوجز... لم أفهم من أنت؟
جمال( تنهد): أنا عبد الرحمن الداخل... لكن هو دخل.... و أنا خرجت.
ثم فكّر: هو طرد من الشرق إلى الأندلس،وأنا طردت من الأندلس إلى الشرق.
قال معتزبعد أن مط شفتيه ساخرا: وأنا أبو جعفر المنصور، فاحذرني يا صقر قريش..(ثم انفجر ضاحكاً)
تنهد ساخراً وفكر : يا وليلي ويا ويلي ويا ويللي.
ثم أمسك جمال بقميص ونظر إلى رفيق غرفته بتمعن: هل تسمح في الخروج؟ أريد تبديل قميصي.
معتز: قميصك! غيره يا فتى الأندلس وأنا هنا.. هذه غرفتي، وأنت الذي تطفل وسرقها.
صمت جمال فلقد كان رد معتز قاسيا، ثم زاد في قسوته وسأل : ممم.. هل ستطول إقامتك هنا ؟
لم يرد جمال فقال معتز: ولم لا تلحق بأبيك ؟
أغمض عينيه متألماً ولم يرد، فأردف معتز : كنتم في أمريكا ؟
هز جمال رأسه بنعم فقال معتز:عمي الدكتور راشد كان هناك,قال بأنها جميلة، أحب زيارتها,(ثم سأل)صحيح، أنت تعرف عمي الدكتور راشد أليس كذلك؟
جمال: أجل
معتز: ماذا كنتم تعملون هناك ؟
جمال :كانت أمي تكمل بحث الدكتوراه .
ضحك معتز وقال: أبي لم يكمل الثانوية، ويعمل في ورشه،هو يحتاج إلى عاملٍ لمساعدته، ربما سيأخذك .
أحس برعشة من كلمات معتز ولم يرد أما معتز بدا غير مكترث وقال : منذ متى أنتم هنا؟
قال: منذ سنه.
أخرج جمال كتاب البداية والنهاية من حقيبته المتهرئة فأسقطت علبة دواء تحت قدميه..لم يحاول أن يرفعها ..نظر إليها ..ثم إلى معتز الذي يراقب الوضع..لا يجد تفسيرا للموقف..ترك العلبة على الأرض و مضى بهدوء خارج الغرفة..ومعه القميص والكتاب ،رفع معتز علبة الدواء عن الأرض وبدأ يتأملها يفكر:ما حكايته؟كنت أتأهب لمعركة ..لكن يبدو أنه شخص مريض..( ثم هز رأسه)لا ..يكذب أو يمثل.
خرج من الغرفة إن هذه الغرفة غرفة معتز وهو دخيلٌ عليها..كان يمشي ويتأمل هذا البيت الجديد كيف سيعيش وقد اقتلعت جذوره، كيف الحال مع المدرسة والشارع والمسجد .
الروابط المفضلة