أحـمـر.. يـا حـبُّ!
رجاء محمد الجاهوش
مَـدخَـلٌ
لمْ أعتدْ تلوين الأيَّام، إلَّا أنَّ هذا اليوم أبَى إلَّا أنْ يَصطَبِغَ بالحُمرَةِ!
لماذا الأحمر؟
لا أدري.. فالسِّرُّ مجهول حتى هذه اللَّحظة!
الأحمر و الحبُّ.. علاقة قديمة
الأحمر و الـدَّم.. علاقة دائمة
الحـبُّ و الـدَّم.. علاقة عُلويَّة نادرة!
يـوم الـحُـبِّ
يومهم الذي اكتسَى بالحُمرة فرحًا بيومِ الحبِّ، كان يومًا باهتًا حزينًا بالنَّسبة إليَّ!
لمْ أستطعْ ـ مثلهم ـ أنْ أرتدي فستانًا أحمرَ، أو أنْ أزيِّن جيدي بقلادة حمراء أو أنْ أبتاع وردة حمراء!
فاللَّون الأحمر هنا مختلف: دماءٌ، أشلاءٌ، وهمس جراحٍ أسْكَتَتْ كلَّ مَزامير الفرح!
جلستُ أطالعهم...
كمْ كانوا فرحين بتلك الهدايا الحمراء، وبتلك العاطفة الزَّائفة التي يستجدونها استجداء!
لماذا يَندَفِعون ـ يا تُرَى ـ نحو كلّ ما يحمل سِمَةَ الحبِّ دون اكتراثٍ إنْ كان حلالًا أمْ حرامًا، رخيصًا أمْ غاليًا؟!
أهي الحاجة، ذلك السِّلاح ذو الحدَّين!
التي إذا أُشبِعَتْ شبَّ المرء سويًّا قويًّا قادرًا على العطاء، وإذا لمْ تُشبَع باتَ صاحبها فريسةً سهلةً للأدواء والأهواء...
أمْ أنَّه الخَواء الرُّوحي؟!
حَـاجـاتُـنـا
حَاجات الإنسان الأساسيَّة تنقسم إلى قِسمَين:
1. حاجات عضويَّة: كـ الطعام، والشَّراب، والملبس، والمسكن.. وغيرها
2. حَاجات نفسيَّة واجتماعيَّة: كـ الحبِّ، والشُّعور بالأمن والأمان، والقبول، والثِّقة، وتقدير الذَّاتِ، والحريَّةِ، والحاجة إلى وجود حدودٍ لهذه الحريَّة.. وغيرها
وإشباع هذه الحَاجات ـ بنوعَيها ـ مسئوليَّة الأسرة بدايةً وبالأخص الوالِدَين، ومِن ثمَّ يأتي دور الدَّولة بمؤسَّساتها المختلفة الَّتي يجب أنْ تسعَى لتوفيرِ الحاجات (العضويَّة) لمواطنيها والقائمين على أرضها بِقَدرٍ يحفظ لهم كرامتهم، فمتى ما شَبِعَ المرء وارتوَى، وستر عورته، واستقرَّ في سكن خاص شَعَرَ بالأمان، ومتى ما شَعر بالأمان استطاع أنْ يُعطي وينجز، ومتى ما أعطى وأنجز شعر بالثِّقة وتقدير الذَّات.. وهكذا يُصبح إشباع حاجة (عضويَّة) سَبَبًا في إشباع حاجة نفسيَّة.
والحاجات ـ بقسميها ـ هي حاجات أساسيَّة لا تستقيم حياة المرء إذا فقدها، ولا يتمتَّع في ظلِّ غيابها بالصِّحة الجسدية والنَّفسيَّة.
فالحبُّ ـ محور حديثنا ـ حاجة نفسيَّة، يبذر الأبوان بذرتها الأولى في قلب الطِّفل، فهما أوَّل مَن يحتكُّ بهم الطِّفل، ومنهما يكتسب خبراته الأولى والأساسيَّة الَّتي تؤثِّر في سلوكه فيما بعد ، فإنْ مَنَحاه الحبَّ صادقًا غير مشروط، وحَبَيانه بعاطفة حقيقيَّة غير مُتكَلَّفَة نشأ مُتمتِّعًا بصِحَّةٍ انفعاليَّة، وبقدرةٍ أعلَى على حبِّ الآخرين، مع تقدير إيجابيٍّ وثابت للذَّات، فلا يلجأ إلى استخدام أساليب غير ناضجة للحصول على حبِّ وتقدير الآخرين أو لفت انتباههم!
إنَّ التَّصريح المستمر دون مُجاملةٍ أو مُواربةٍ أمر ضروريّ لا غنَى عنه لإشباع هذه الحَاجة مهما بلغ عُمْر المرء.
فمَن مِنَّا لا يتوقُ إلى كلمةٍ عذبةٍ تنعش الرُّوح وتحيي القلب!
ومَن مِنَّا يمكنه أنْ يحيا الحياة كلَّها دون لمسة وِدٍّ!
إلْحـاح
عندما تَلُّح الحاجة غير المُشبَعة على أصحابها إلحاحًا لا يقدرون معه على دفعها، ولا يعرفون كيف يوجِّهونها، حينها يكون التَّخبُّط!
وللأسف لقد استغلَّ العدو هذا، وبعض الجاهلين مِن أمَّتنا ـ الَّذين لا همَّ لهم سوَى كسب المال واستثماره ـ فأتخموا القنوات الفضائيَّة بألوان شتَّى مِن الفنون الَّتي تُقدِّم هذه العاطفة الساميَّة بصورة هابطة ومشوَّهة، وضجَّت المجلَّات بذات الصَّنف مِن الهبوط، وأصبح تكريم دور الثَّقافة والفنون لحملة هذا الهمِّ الهابط أيضًا، حتَّى أصبحَ الحبُّ بضاعةً مُزجاةً، وميدانًا لكلِّ ناعِقٍ، فيقوم هذا لينظم قصيدة غزليَّة، وينزوي ذاك ليؤلِّف رواية عاطفيَّة، وآخر سيهرع إلى الأغاني (الرُّومانسيَّة) ، وغيرهم سيُبادِر إلى إقامة علاقات لا تنضبط بضوابط الشَّرع بدعوَى الحبِّ والحاجة إليه!
وكلُّهم سوف يهتفون بـ (14/2) يومًا مُستخلَصًا مِن دون الأيَّام، عيدًا للحبِّ والقلب!
وهكذا يُقدَّم الحبّ بألفِ شكل وألفِ لون إلَّا شكله الحقيقيّ ولونه النَّقيّ!
خَـواءٌ روحـيٌّ
خَوَى البيتُ يَخْوِي خَواء، إِذا ما خَلا مِن أَهله.
وتخوي الرُّوح إذا خَلَت مِن إيمانِها ومعانِيهِ النَّبيلة السَّامية!
والإنسان المُتجرِّد مِن إيمان، وعقيدة، ومَعانٍ جليلة، هو كالإسفنجة!
يَتشرَّب الشُّبهات بسهولة، وتنفذ مِن خلال جدار روحه المثقوب كلُّ الشَّهوات دون إنكار، فتتمكَّن مِنه وتحيله مَسْخًا بشريًّا!
وصدق الشَّاعر حين قال: «... فصادفَ قلبًا خاليًا فتَمَكَّنا»
رُؤيَـة
الخَواء الرُّوحي والسَّعي العشوائي إلى إشباع حاجات لمْ تُشبَع في وقتِها، وبمقدارِها المَطلوب، وبأفضلِ الأساليبِ تربة خصبة تحتضن بذور الضَّياع لِتنبت أجيالًا بلا هُوِيَّة ولا انتماء!
بَـحـثًا عن مَـخـرَجٍ
1. كيف نُوجِّه الحاجة غير المُشبَعة توجيهًا سَديدًا؟
2. (الخواء الرُّوحي) ما علاجه وأساليب الوقاية منه؟
الروابط المفضلة